فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

ذكر تعالى الحشر إليه، وأنه غاية لكل أحد قتل أو مات، وفي الآية تحقير لأمر الدنيا وحض على طلب الشهادة، أي إذا كان الحشر في كلا الأمرين فالمضي إليه في حال الشهادة أولى. اهـ.

.قال أبو حيان:

وقدّم الموت هنا على القتل لأنها آية وعظ بالآخرة والحشر، وتزهيد في الدنيا والحياة، والموت فيها مطلق لم يقيد بشيء.
فإما أن يكون الخطاب مختصًا بمن خوطب قبلُ أو عامًا واندرج أولئك فيه، فقدِّم لعمومه، ولأنه أغلب في الناس من القتل، فهذه ثلاثة مواضع.
ما ماتوا وما قتلوا: فقدم الموت على القتل لمناسبة ما قبله من قوله: {إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزًا} وتقدّم القتل على الموت بعد، لأنه محل تحريض على الجهاد، فقدم الأهم والأشرف.
وقدم الموت هنا لأنه الأغلب، ولم يؤكد الفعل الواقع جوابًا للقسم المحذوف لأنه فصل بين اللام المتلقى بها القسم وبينه بالجار والمجرور.
ولو تأخر لكان: لتحشرن إليه كقوله: {ليقولن ما يحبسه}.
وسواء كان الفصل بمعمول الفعل كهذا، أو بسوف.
كقوله: {فلسوف تعلمون} أو بقد كقول الشاعر:
كذبت لقد أصبى على المرء عرسه ** وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي

قال أبو علي: الأصل دخول النون فرقًا بين لام اليمين ولام الابتداء، ولام الابتداء لا تدخل على الفضلات، فبدخول لام اليمين على الفضلة وقع الفصل، فلم يحتج إلى النون.
وبدخولها على سوف وقع الفرق، فلم يحتج إلى النون، لأن لام الابتداء لا تدخل على الفعل إلا إذا كان حالًا، أمّا إذا كان مستقبلًا فلا. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن في قوله: {لإِلَى الله تُحْشَرُونَ} دقائق:
أحدها: أنه لم يقل: تحشرون إلى الله بل قال: {لإلى الله تحشرون}، وهذا يفيد الحصر، معناه إلى الله يحشر العالمون لا إلى غيره، وهذا يدل على أنه لا حاكم في ذلك اليوم ولا ضار ولا نافع إلا هو، قال تعالى: {لّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار} [غافر: 16] وقال تعالى: {والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الإنفطار: 19].
وثانيها: أنه ذكر من أسماء الله هذا الاسم، وهذا الاسم أعظم الأسماء وهو دال على كمال الرحمة وكمال القهر، فهو لدلالته على كمال الرحمة أعظم أنواع الوعد، ولدلالته على كمال القهر أشد أنواع الوعيد.
وثالثها: إدخال لام التأكيد في اسم الله حيث قال: {لإِلَى الله} وهذا ينبهك على أن الإلهية تقتضي هذا الحشر والنشر، كما قال: {إِنَّ الساعة ءاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لتجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تسعى} [طه: 15].
ورابعها: أن قوله: {تُحْشَرُونَ} فعل ما لم يسم فاعله، مع أن فاعل ذلك الحشر هو الله، وإنما لم يقع التصريح به لأنه تعالى هو العظيم الكبير الذي، شهدت العقول بأنه هو الله الذي يبدئ ويعيد، ومنه الانشاء والإعادة، فترك التصريح في مثل هذا الموضع أدل على العظمة، ونظيره قوله تعالى: {وَقِيلَ يا أرض ابلعى مَاءكِ} [هود: 44].
وخامسها: أنه أضاف حشرهم إلى غيرهم، وذلك ينبه العقل على أن جميع الخلق مضطرون في قبضة القدرة ونفاذ المشيئة، فهم سواء كانوا أحياء أم أمواتا لا يخرجون عن قهر الربوبية وكبرياء الإلهية.
وسادسها: أن قوله: {تُحْشَرُونَ} خطاب مع الكل، فهو يدل على أن جميع العالمين يحشرون ويوقفون في عرصة القيامة وبساط العدل، فيجتمع المظلوم مع الظالم، والمقتول مع القاتل، والحق سبحانه وتعالى يحكم بين عبيده بالعدل المبرأ عن الجور، كما قال: {وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة} [الأنبياء: 47] فمن تأمل في قوله تعالى: {لإِلَى الله تُحْشَرُونَ} وساعده التوفيق علم أن هذه الفوائد التي ذكرناها كالقطرة من بحار الأسرار المودعة في هذه الآية. اهـ.

.قال الخازن:

وقد قسم بعض مقامات العبودية ثلاثة أقسام.
فمن عبد الله خوفًا من ناره أمنه الله مما يخاف وإليه الإشارة بقوله تعالى لمغفرة من الله ومن عبد الله تعالى شوقًا إلى جنته أناله ما يرجو.
وإليه الإشارة بقوله تعالى لمغفرة من الله ومن عبد الله تعالى شوقًا إلى جنته أناله ما يرجو وإليه الإشارة بقوله تعالى ورحمة لأن الرحمة من أسماء الجنة ومن عبد الله شوقًا إلى وجهه الكريم لا يريد غيره فهذا هو العبد المخلص الذي يتجلى له الحق سبحانه وتعالى في دار كرامته. وإليه الإشارة بقوله: {لإلى الله تحشرون}. اهـ.

.قال أبو حيان:

قال الراغب: تضمنت هاتان الآيتان إلزامًا هو جار مجرى قياسين شرطيين اقتضيا الحرص على القتل في سبيل الله تمثيله: إنْ قتلتم في سبيل الله، أو متّم، حصلت لكم المغفرة والرحمة، وهما خير مما تجمعون.
فإذًا الموت والقتل في سبيل الله خير مما تجمعون.
ولئن متم أو قتلتم فالحشر لكم حاصل.
وإذا كان الموت والقتل لابد منه والحشر فنتيجة ذلك أن القتل والموت اللذين يوجبان المغرفة والرحمة خير من القتل والموت اللذين لا يوجبأنهما انتهى. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ} اللام هي الموطئة لقسم محذوف، وجوابه قوله: {لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ الله وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} وحُذِفَ جوابُ الشرط؛ لسَدِّ جواب القسم مسده؛ لكونه دالًا عليه وهذا ما عناه الزمخشريُّ بقوله: وهو ساد مسدَّ جواب الشرط. ولا يعني بذلك أنه من غير حذف.
قوله: {أَوْ مُتُّمْ} قرأ نافع وحمزة والكسائي {مِتُّمْ}- بكسر الميم- والباقون بضمها، فالضَّمُّ مِنْ مَاتَ يَمُوتُ مُتُّ- مثل: قَالَ يَقُولُ قُلْتُ، ومن كسر، فهو من مَاتَ يَمَاتُ مِتُّ، مثل: هَابَ يَهَابُ هِبْتُ، وخَاَفَ يَخَافُ خِفْتُ. روى المبرِّدُ هذه اللغة.
قال شهابُ الدينِ: وهو الصحيحُ من قول أهل العربية، والأصل: مَوْتَ- بكسر العين- كخَوِفَ، فجاء مضارعه على يَفْعَل- بفتح العين-.
قال الشاعر: [الرجز]
بُنَيَّتِي يَا أسْعَدَ الْبَنَاتِ ** عِيشي، وَلاَ نأمَنُ انْ تَمَاتِي

فجاء بمضارعِهِ على يَفْعَل- بالفتح- فعلى هذه اللغة يلزم أن يقال في الماضي المسند إلى التاء، أو إحدى أخواتها: مِتُّ- بالكسر ليس إلا- وهو انا نقلنا حركة الواو غلى الفاء بعد سلب حركتها، دلالة على بنية الكلمة في الأصل، هذا أوْلَى من قول من يقول: إن مِتُّ- بالكسر- مأخوذة من لغة من يقول يموت- بالضم في المضارع- وجعلوا ذلك شاذًا في القياس كثيرًا في الاستعمال، كالمازني وأبي علي الفارسي، ونقله بعضُهُمْ عن سيبويه صريحًا، وإذا ثبت ذلك لغةً، فلا معنى إلى ادَّعاء الشذوذ فيه.
قوله: {لَمَغْفِرَةٌ} اللام لامُ الابتداءِ، وهي ما بعدها جواب القسم- كما تقدم- وفيها وجهان:
الأول: وهو الأظهر-: انها مرفوعة بالابتداء، والمسوِّغات- هنا- كثيرة: لام الابتداء، والعطف عليها في قوله: {وَرَحْمَةٌ} ووصفها، فإن قوله: {مِّنَ الله} صفة لها، ويتعلق- حينئذٍ- و{خيرٌ} خبر عنها.
والثاني: أن تكون مرفوعةً على خبر ابتداءٍ مُضْمَرٍ- إذا أُرِيدَ بالمغفرة والرحمة القتل، أو الموت في سبيل الله؛ لأنهما مقترنان بالموت في سبيل الله- فيكون التقدير: فلذلك، أي: الموت أو القتل في سبيل الله- مغفرة ورحمة خير، ويكون {خيرٌ} صفة لا خبرًا، وإلى هذا نحا ابنُ عطيةَ؛ فإنه قال: وتحتمل الآية أن يكون قوله: {لَمَغْفِرَةٌ} إشارة إلى الموت، أوالقتل في سبيل الله، فسمى ذلك مغفرة ورحمة؛ إذ هما مقترنان به، ويجيء التقديرُ: لذك مغفرةٌ ورحمةٌ، وترتفع المغفرةُ على خبر الابتداء المقدر، وقوله: {خير} صفة لا خبر ابتداء انتهى، والأول أظهر.
و{خير}- هنا- على بابها من كونها للتفضيل وعن ابن عباسٍ: خير من طلاع الأرض ذهبة حمراء.
قوله: {مما يجمعون} ما موصولة اسمية، والعائدُ محذوفٌ، يوجوز أن تكون مصدرية.
وعلى هذا فالمفعول به محذوف، أي: من جمعكم المال ونحو.
وقراءة الجماعة {تجمعون}- بالخطاب- جَريًا على قوله: {ولئن قتلتم} وحفص- بالغيبة- إما على الرجوع على الكفار المتقدمين، وإما على الالتفات من خطاب المؤمنين.
قوله: {لإِلَى الله} اللام جواب القسم، فهي داخلة على {تُحْشَرُونَ} و{وَإِلَى الله} متعلقٌ به، وإنما قُدِّم للاختصاص، أي: إلى الله- لا إلى غيره- يكون حشركم، أو للاهتمام به، وحسّنه كونُه فاصلة، ولولا الفصل لوجب توكيد الفعل بالنون؛ لأن المضارع المثبت إذا كان مستقبلًا وجب توكيده بالنون، مع اللام، خلافًا للكوفيين؛ حيث يُجيزون التعاقُبَ بينهما.
كقول الشاعر: [الكامل]
وَقَتِيلِ مُرَّةَ أثأرَنَّ

فجاء بالنون دون اللام.
وقول الآخر: [الطويل]
لَئِنْ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيْكُمْ بُيُوتُكُمْ ** لَيَعْلَمُ رَبِّي أنَّ بَيْتِيَ وَاسِعُ

فجاء باللام دون النون، والبصريون يجعلونه ضرورة.
فإن فُصِلَ بين اللام بالمعمول- كهذه الآية- أو بقَدْ، نحو: والله لقد أقومُ.
وقوله: [الطويل]
كَذَبْتِ لَقَدْ أُصْبِي عَلَى المرْءِ عِرْسَهُ

أو بحرف التنفيس، كقوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى} [الضحى: 5] فلا يجوز توكيده- حينئذ- بالنون، قال الفارسيُّ: الأصل دخولُ النُّونِ، فَرْقًا بين لام اليمينِ، ولام الابتداءِ، ولام الابتداء لا تدخل على الفضلاتِ، فبدخول لام اليمين على الفضلة حصل الفرقُ، فلم يُحْتَجْ إلى النون وبدخولها على سوف حصل الفرق- أيضا- فلا حاجةَ إلى النُّونِ ولام الابتداء لا تدخل على الفعل إلا إذا كان حالًا، أما مستقبلًا فلا.
وأتى بالفعل مبنيًّا لما لم يسم فاعله- مع أن فاعل الحشرِ هُوَ اللهُ- وإنما لم يصرح به، تعظيمًا. اهـ. بتصرف.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآيتين:

{وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ الله أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ الله وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى الله تُحْشَرُونَ (158)}.
قال عليه الرحمة:
بذل الروح في الله خير من الحياة بغير الله، والرجوع إلى الله خير لمن عرف الله من البقاء مع غير الله، وما يؤثره العبدُ على الله فغير مبارك، إنْ شِئتَ: والدنيا، وإنْ شِئْتَ: والعقبى.
قوله: {وَلَئِن مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ}: إذا كان المصير إلى الله طاب المسيرُ إلى الله: وإنَّ سَفْرةً إليه بعدها نَحُطُّ رِحَالَنا لَمُقَاسَاتُها أحلى من العسل!. اهـ.

.من فوائد ابن عطية:

قال رحمه الله:
{وَلَئِن قُتِلْتُمْ في سَبِيلِ الله أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ الله وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}.
اللام في قوله تعالى: {ولئن قتلتم} هي المؤذنة بمجيء القسم، واللام في قوله: {لمغفرة} هي المتلقية للقسم، والتقدير: والله لمغفرة، وترتب الموت قبل القتل في قوله: {ما ماتوا وما قتلوا} [آل عمران: 156] مراعاة لرتبة الضرب في الأرض والغزو فقدم الموت الذي هو بإزاء المتقدم الذكر وهو الضرب، وقدم القتل في قوله تعالى: {ولئن قتلتم} لأنه ابتداء إخبار، فقدم الأشرف الأهم، والمعنى: أو متم في سبيل الله، فوقع أجركم على الله، ثم قدم الموت في قوله تعالى: {ولئن متم أو قتلتم} لأنها آية وعظ بالآخرة والحشر، وآية تزهيد في الدنيا والحياة، والموت المذكور فيها هو موت على الإطلاق في السبيل وفي المنزل وكيف كان، فقدم لعمومه وأنه الأغلب في الناس من القتل، وقرأ نافع وحمزة والكسائي {مِتم} بكسر الميم ومتنا ومت بالكسر في جميع القرآن وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: بضم الميم في جميع القرآن، وروى أبو بكر عن عاصم ضم الميم في جميع القرآن، وروى عنه حفص ضم الميم في هذين الموضعين {أو مُتم} {ولئن مُتم} فقط، وكسر الميم حيث ما وقعت في جميع القرآن، قال أبو علي: ضم الميم هو الأشهر والأقيس، مت تموت مثل: قلت تقول وطفت تطوف، والكسر شاذ في القياس وإن كان قد استعمل كثيرًا، وليس كما شذ قياسًا واستعمالًا كشذوذ اليجدع ونحوه، ونظير مت تموت بكسر الميم فضل بكسر الضاد يفضل في الصحيح وأنشدوا:
ذكرت ابن عباس بباب ابن عامر ** وما مر من عمري ذكرت وما فضل

وقوله تعالى: {لمغفرة} رفع بالابتداء {ورحمة}، عطف على المغفرة و{خير} خبر الابتداء، والمعنى: المغفرة والرحمة اللاحقة عن القتل أو الموت في سبيل الله خير، فجاء لفظ المغفرة غير معرف إشارة بليغة إلى أن أيسر جزء منها خير من الدنيا، وأنه كاف في فوز العبد المؤمن، وتحتمل الآية أن يكون قوله: {لمغفرة} إشارة إلى القتل أو الموت في سبيل الله، سمى ذلك مغفرة ورحمة إذ هما مقترنان به ويجيء التقدير: لذلك مغفرة ورحمة وترتفع المغفرة على خبر الابتداء المقدر، وقوله: {خير} صفة لخبر الابتداء، وقرأ جمهور الناس {تجمعون} بالتاء على المخاطبة وهي أشكل بالكلام، وقرأ قوم منهم عاصم فيما روى عن حفص {يجمعون} بالياء، والمعنى مما يجمعه المنافقون وغيرهم. اهـ.

.من فوائد الشعراوي:

قال رحمه الله:
{وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ الله أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ الله وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}.
والذي يحرص على ألا يخوض المعركة مخافة أن يُقتل، فما الذي يرجح عنده هذا العمل؟ أنه يبتغي الخير بالحياة. وما دام يبتغي الخير بالحياة، إذن فحركته في الحياة في وهمه ستأتيه بخير، فهو يخشى أن يموت ويترك ذلك الخير، أنه لم يمتلك بصيرة إيمانية، ونقول له: الخير في حياتك على قدر حركتك: قوة وعلما وحكمة، أما تمتعك حين تلتقي بالله شهيدًا فعلى قدر ما عند الله من فضل ورحمة وهي عطاءات بلا حدود، إذن فأنت ضيعت على نفسك الفرق بين قُدرتك وحِكمتك وعِلمك وحَركتك في الكسب وبين ما يُنسب إلى الله في كل ذلك، ولذلك يقول الحق: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ الله أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ الله وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}.
وبعد ذلك يقول الحق: {وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ}.
ولنا أن نلحظ أن قول الحق في الآية الأولى جاء بتقديم القتل على الموت قال تعالى: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ الله أَوْ مُتُّمْ} وجاء في هذه الآية بتقديم الموت على القتل قال- جل شأنه-: {وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ} فقدم القتل على الموت في الآية الأولى لأنها جاءت في المقاتلين، والغالب في شأنهم أن من يلقى الله منهم ويفضي إلى ربه يكون بسبب القتل أكثر مما يكون بسبب الموت حتف أنفه، أما هذه الآية فقد جاءت لبيان أن مصير جميع العباد- ومرجعهم يوم القيامة يكون إلى الله- تعالى- وأن أكثرهم تزهق نفسه وتخرج روحه من بدنه بسبب الموت، فلذا قدم الموت هنا على القتل. إذن فكل كلمة وجملة جاءت مناسبة لموقعها. أنه قول الحكيم الخبير. اهـ.